الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

سجن العمر -1





مختارات من “سجن العمر” 1








 

بدون شوارب

بعث زوج الأخت : أي عديل والدي بخطاب إليه يقول فيه بالنص: أرسلنا إليكم اليوم تلغرافا تبشيرا بقدوم نجلكم السعيد ، تفصيل الخبر أنه فى الساعة العاشرة مساء الأمس شعرت السيدة حرمكم بألم يشبه الطلق ، فأردت إرسال الخادم إلى القابلة ، فامتنعت بقولها : ربما لا يكون الأمر كذلك ، ولم نزل مترقبين حالتها إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل حيث اشتد الألم ، ولم يعد هناك شك فى اقتراب الوضع ، وعندها أرسلنا الخادم ، وفى الساعة الثالثة حضرت القابلة وباشرت أعمالها إلى أن كانت الرابعة أقبل” أخينا ” مصحوبا بسلامة الوصول وقد رأيته صباح اليوم فوجدته مثل أبيه ، ولكن بدون شوارب

سِيدي البسطامي

روت لى أمي – فيما بعد –  أنى هبطت إلى الدنيا فى صمت ، دون بكاء أو صخب أو عويل ، شأن الكثير من الأطفال ، فحسبتني نزلت ميتا ، فارتاعت وهى على فراش وضعها ، وسألت القابلة ، التي ألقت بي بعيدا لتعنى بالأم : ” لمادا لا يبكي ويصيح ككل المواليد الأصحاء ؟ والتفت الجميع إلى ناحيتي فوجدوني أنظر – كما زعموا- إلى ضوء المصباح وإصبعي فى فمي شأن المتعجب! ياله من زعم إنَّ كل أم تريد أن ترى فى ابنها معجزة كمعجزة المسيح! لأنها فى هذه الحالة ستكون هى مريم! إذا ثبت حقا أني نزلت بغير صياح ، فلعل السبب هو أني كنت مكدودا من شدة الجذب إلى هذه الدنيا ، أو أنه كان بلساني علة من العلل ، أو أنه الضعف العام ، وربما كان أفضل من ذلك جميعا أن يقال، كما قيل فى الكبر، إني آثرت الصمت والسكون بخلا أو اقتصادا فى صياح لا طائل تحته


كانت أسرة والدتي من أهل البحر، ممن أطلق عليهم اسم البوغازية، ويظهر أن أصل هذه الأسرة من الترك أو الفرس أو ألبانيا، لا أدري بالضبط ، إن سحنة والدتي وجدتي ومالهما من عيون زرقاء تنم عن أصل غريب على كل حال ، ولم أرث أنا ولا شقيقي هذه الزرقة ولا مايقرب منها ، لأن سحنة والدي الفلاح القح كانت فيما يبدو قديرة على صبغ بحر أزرق بأكمله ، وكان جد والدتي لأمها يسمى ”  كلا يوسف ” ، وقيل إنه من قولة ، وجدها لأبيها كان يسمى الحاج ميلاد البسطامى ، أبيه ، وهو أبوها ، اسمه سليمان البسطامي ، وقيل إنه كانت لديه شجرة نسب تلحقه بأبي يزيد البسطامي الصوفي المعروف ، كانت أمي صغيرة السن ، لم تجاوز عامها الثالث يوم مات والدها ، وهو لم يزل شابا فى الخامسة والثلاثين، مات ولم تره ولم تعرفه، فظلت طول حياتها تسأل عنه من رآه ومن عرفه: ما شكله؟ ما صورته؟ ما خلقه؟ ما صفاته ؟ قالت لي إنه كان ممن أطلق عليهم الخديو فى ذلك العهد اسم العصاة ، لأنه كان من أنصار عرابي ، ولبثت عمرها كله ترسم له فى مخيلتها صورة الأبطال والأنبياء  والقديسين، فما كان عندها قسم أغلظ ولا أهم من القسم ”بسيدي البسطامي”،هكذا كانت تعلمني وأنا صغير، وربما كان قولي يحتمل الكذب عندها إذا قلت: ”وحياة النبي “، أما إذا قلت:” وحياة سيدي البسطامي” فما كان يغتفر لى أن أحنث به .


الزواج


جاءت العمة والأخت مرتديتين الملس لامعا جديدا ، يفوح منهما العطر الفلاحي من الخزام والزعفران ، وأحضرتا معهما صورة شمسية على الصفيح شأن التصوير فى ذلك العهد للعريس ، وهو متشح بوسام عضو النيابة . فما كادت  أمي بطموحها ترى هذا الوسام حتى ذهب لبها وعقدت العزم فى سرها على التمسك به، ذلك أنها كانت تعلم معنى هذا الوسام ، فقد كان لمنزل أسرتها نوافذ تطل على ما كان يسمى ” سكة الباشا ” ، أي الطريق الموصل إلى سراي رأس التين ، حيث كانت تمر يوم العيد مواكب رجال الحكومة الكبار فى ملابس التشريفة ، ومن بينهم رجال القضاء  بمثل هذه الأوسمة ، من يومها وهى تمني نفسها  بزوج له هذا الوسام ، إلا أن أهل  هذا العريس لم يتقدموا بمهر محترم، قالوا إنه شاب فى مستهل حياته عظمه مازال طريا، لا يحتمل كاهله المبلغ الطائل بعد ، وهاجت الأم وماجت، ورفضت وهى تضرب على صدرها: ” يا شماتة الأعادي ، أسلم بنتي بتراب الفلوس ؟! ” طردت الأم أهل العريس ولكن البنت الرغبة أرسلت خلفهم خفية خادمة لها تقول لهم سرا أن ارجعوا فالأم قد قبلت، ولم يسع الأم إلا النزول آخر الأمر على إرادة ابنتها المصرة.


أما والدي فقد كتب بالقلم الرصاص فى دفتره الصغير المعهود صفحة عنوانها”  تاريخ الزواج ” ، قال فيها بالنص والحرف : ليلة الدخول كانت ليلة الجمعة أي مساء الخميس الموافق 25 إبريل الموافق ليلة 7 محرم بالإسكندرية بمنزل حضرة ” زوج الأم ” ، وأقمت بالمنزل بصفة ضيف مع العروس إلى يوم الخميس الموافق 2 مايو، وفى يوم الأربعاء مساء قمت قاصدا الإسكندرية ، وقابلني على المحطة حضرة عديلي وذهبت توا إلى منزله، وهناك كانت عروسي، فأقمت إلى يوم السبت 9 مايو، ثم حضرنا جميعا أنا وعروسي وحماتي إلى المحلة الكبرى

هذا كل ما كتبه والدي فى هذا الموضوع، فإذا قلبنا الصفحة وجدناه قد كتب عنوانا آخر فى رأسها بهذا النص والحرف:

” بيان ما صرف بسبب الزواج ابتداء من 15 إبريل من جيبى الخاص “

  17 قرشا صاغا تذكرة درجة ثانية من المحلة إلى صفط الملوك فى 14 إبريل  

   10 قروش صاغ ليد عبده الخادم من ماهيته

  2  قرشا صاغا أجرة حمار فى تاريخه 

  5 قروش صاغ أجرة التخليص على فراخ إلى الإسكندرية

  5 قروش صاغ بقشيش للخدم يوم تاريخه




right side

دوا نُقَط

  دَوا نُقَط - 1-   ما اسم   ذلك الدواء ؟    علبة صغيرة، داخلها زجاجة أصغر، الزجاجة بها قطَّارة، القطارة تنزل منها النقاط بمقدار. الدو...