السبت، 18 يناير 2020

حلو ولا حار


      هناك عربيات فول تؤدي الغرض ، وأخرى أقل  تُشد إليها الرحال. من عشر سنوات تعرفت على عربية جديدة ، التحقت بها  في وصلتها المسائية .  كان ثمة  بنات وشباب ( زباين أفرنجي ) ينزلون من سياراتهم في حماس  ، يأتي أحد العاملين بالعربية بورقة جرنان كبيرة . محييا ومقبِّلا الشاب القائد – مرشد هذه المجموعة ، الذي، في الغالب ، يريد أن يُري أصدقاءه  رأي العين والفم أن الرحلة تستحق . يلتقط الشاب المذكور صفحات الجريدة ( المَفْرَش المؤقت )  ويضعها  على كبوت السيارة ، وتبدأ أطباق الفول والسلطة والبصل والباذنجان والجبنة بالطماطم وسائر المشهيات في النزول على التوالي . المشهيات قديما كانت محدودة : سلطة خضرا وبصل وفلفل أخضر ، وكان الله بالسر عليما ، حتى البيض نفسه لم تشهده العربيات الأولى إلا على استحياء.



 
     فول عبد الله الواحاتي لا يُعلَى عليه ، الأسطى محمد يأتي على الرائحة . في أيام الطفولة البعيدة ، يلوح عم محمد- كبيرالسائقين بمدرسة القلب المقدس - بقامته الفارعة ، بعد أن ينهي رحلة الذهاب لأتوبيس المدرسة ، على مقربة من عربية عبد الله  ، يركن سيارته  العالية بعد مناورات ، تشعرك بجلال مهمته في الحياة . طلبه معروف : فول بالزيت الحار فقط ؛ مشهياته معه ، يأتي متهاديا (طريقة مشيته فيها شُبْهة غرور لا أعرف مصدره )  في يد بصلة ، وفي اليد الأخرى حزمة جرير قد غسلها لتوه ، يمشي نافضا الماء عنها ، منشطا حواسه للقاء العظيم . كان عبدالله يعتبره من الزبائن المتعِبة ؛ فبعد أن  ينهي عم محمد نصف طبقه يطالب بالممنوع  : " رشة زيت يا عبد الله لو تسمح يعني  ، ما هو المفروض الطبق يبقى  مِتموِّن صح من الأول ! " ، يلبي عبد الله نداءه مبتسما ، ثم يردف : " إنت حُمَّى ". يشعر عبد الله – كأي بياع شاطر – بمسئولية تجاه زبائنه المستديمين ؛ لا يتواني عن تقديم خدماته كما يجب ، لكنه يحرص من آن لآخرعلى تذكير أحدهم برزالته ؛ حتى لا تتفاقم .

    ظريف تماما أن يكون مكان العمل  قريبا من عربية فول محترمة تفتح النفس ، ويا حبذا لو جاورتها قهوة على نفس المستوى . إذا تعذر ذلك  سنتشق الأرض ؛ لتخرج منها نصبة شاي صغيرة قريبة من الأرض ، كراسيها أحجار . 

   الحاج منصور اللبان أيضا يدلي بدلوه . عم منصور الآن  في آخر محطاته – على القهوة التي يزودها باللبن  . رغم تقديرالمعلم منصورلفول عبد الله ، إلا أنه يبدأ لقمة الصباح كالتالي : يخرج من قسط اللبن الكبير الفارغ  المستقر على عجلته طبقا صغيرا من الألومنيوم ، الطبق في الأصل كان كفة ميزان إلا أن اتجاهها تغير . الطبق مغسول بعناية فائقة ، ومع ذلك  يضعه تحت الحنفية ؛ ليراجع عليه ، ثم يمد الطبق – دون كلام -  إلى ابنه الصغير ، يمضي الابن إلى  عم محمود  الشامي ( البقال  ) بالطبق وبقطعة معدنية واحدة. يضع محمود الشامي الطبق فارغا على الميزان ليسجل وزنه أولا ، ثم يصب الطحينة ، تتراجع الطحينة وتتقدم إلى أن ينزل المُقنَّن منها. بعدها يضيف عم منصور باكو شطة  بالكامل ، وباكو كمون ، ، يكمل الابن  مشواره إلى عم عبد الله ( قول لُهْ  حِلو مش حار، قول له لعمك منصور ).

    عم منصور يقضي الفترة التي يتغيب  فيها ابنه ، وسط الحشود الملتفة حول عبد الله ، في عمل السلطة . المطوة قرن الغزال تمر على الطماطم والخيار والخس والبصل . بوجه مبتهج صابر يعالج هذا كله ، وعندما يكتمل الأمر يتراجع قليلا عن الطعام ،  كأنه ينتظر المدفع ، ثم   "ياللا يا اخوانَّا .. ياللا يا اخوانا " ، لن يبدأ إلا بعد أن  ينجح في ضم اثنين  أو ثلاثة  إلى مائدته . 



  

right side

دوا نُقَط

  دَوا نُقَط - 1-   ما اسم   ذلك الدواء ؟    علبة صغيرة، داخلها زجاجة أصغر، الزجاجة بها قطَّارة، القطارة تنزل منها النقاط بمقدار. الدو...