الخميس، 27 ديسمبر 2018

نؤنؤ












نُؤْنُؤ

                      مجاهد الطيب 









  تزدهر اللعبة، تتجلى، تصل إلى أعلى معدلاتها ...... في المشمش، إلا أنها  لا تتبخر فجأة مثله، عمرها أطول من عمره، فقط  تخفت لوقت معلوم، ثم تعاود الظهور ثانيةً.
لا أعرف على وجه التحقيق  هل تسمية ” نوى ” المشمش بـ “النؤنؤ ” تسمية  معرووفة في نواحٍ أخرى من القاهرة أوغيرها،أم أنها تخص حينا فقط وربما شارعنا ؟! على أية حال يبدو لي هذا المسمَّى الآن ضربا من التمييز الإيجابي  ؛ فمن الفاكهة ما يوشك أن  يؤبِّد ، ومنها العزيز الغالي.

    كان” زيكا ”  – في الطفولة – أمهر من يلعبون ” ملك وكتابة” على النُؤْنؤ . في هذه النواة تتركز المادة الفعالة  لصناعة ” الدُقَّة  ” البيتية ، بعد معالجتها بالتوابل  تُغمَّس بالعيش أو بالسميط ، بمرور الأيام  وتغير الأحوال  صار النؤنؤ يُجمع بحماس منبت الصلة عن المنفعة  المباشرة ، نشاط حركي يعزز روح المنافسة ، فيه احترام لقواعد غاية في البساطة والحسم : ملك \ كتابة . لكن زيكا رغم مكاسبه الكبيرة ، ومعرفة القاصي والداني في المنطقة  بثروته المهولة من النؤنؤ ، كان إذا خسر مرة  ينتفض ويعلو صوته ناعتا خصومه بالـ  نحْس  ،يشكِّك في شفافية العملية ذاتها ، في صلاحية العملة المعدنية التي ربح بها  حالًا، ويصرُّ على أن يستبدل بها أخرى  .الطامة الكبرى تحدث عندما يكون في عز خسارته ، ويُنادَى على أحدهم من قِبَل الأب أو الأم ، يقف زيكا ويضرب الأرض بقدميه ضربات عسكرية منذرة :” ما حدش هيمشي  ، عايز تمشي كَفِّيني الأول ! “

    من المفترض أن” كفِّيني ” هذه  تخضع لاتفاق مسبق ، وتعني أن اللعبة لن تنتهي إلا بانتهاء ثروات المتنافسين – لآخر نؤنؤة ، ولايجوز لأيِّ من  اللاعبين تحت أي ظرف  أن ينسحب قبل تمام المراد أو ضياع الأمل. 

     لم يكن زيكا طفلا عاديا ؛ له شخصية قوية ، ووسامة ظاهرة ، وصبر على الخسارة حتى تخسر . كان يمكن لزيكا أن يكون محبوبا  لولا طيبته الموسمية  . نتفهم بالطبع هموم  زيكا ومسئولياته ؛ فهو لا يمارس اللعبة بخفة مثلنا ، اللعب كان حياته ؛ فكثيرا ما تكون أمواله في السوق .  في أوقات الشدة يحن زيكا على الرفاق ، يسلفهم  بعض النؤنؤ لتقام اللعبة ، بشرط المضاعفة ساعة الاسترداد ، وحدث أن  تنازل  أكثر من مرة  واسترد  النؤنؤة بنؤنؤة مثلها – دون فوائد  ، لكنه لم يعترف يوما وأيا ماكانت الضغوط  بـ ” بقية الإيد “.نحن نموت من الغيظ ،أما هو  فكان يمد يده ويقول : عهد مين ده ؟قبل أن نقول : عهد الله !  يزيد : وعهد الله  ما ينفع ! ،   كان – ببال مرتاح –  يرى أن  الجد جد.


     ”بقيةالإيد”  بند آخر في قواعد اللعبة  يلزمه أيضا اتفاق مسبق: يصرخ اللاعب المهزوم “أنا عايز بقية إيدي” . بقية الإيد أشبه بمكافأة صغيرة، يعطيها الرابح للخاسر في نهاية اللعبة، حلاوة مكسبه،أو إطفاءً لنار  الحسد، أو جنتلة. الحاصل أن بقية الإيد كانت من البنود المعطلة، حق من حقوق اللاعب الخاسر تم التواطؤ عليه زمنا؛ فأصبح كأن لم يكن .غير أن القليلين رأوا في ” بقية الإيد” نوعا من زكاة اللعب، عليهم أن يؤدوه، بشرط ألا يُطلب منهم ذلك، وألا يكون دوريا. من المناسب أن نذكِّر في هذا السياق أن هاتين القاعدتين ( بقية الإيد\ كفيني ) تندرج تحتهما لعبة أكثر شهرة، وهي الـ”بِلْي“، وأخرى منقرضة، وهي” الكازوز “

   ثمة طريقة أخرى لممارسة رياضة النؤنؤ: تُحفر حفرة صغيرة في الأرض وتسمى “طَارُوقة ”، يقف اللاعب عن بعد متفق عليه ومحدَّد بـ ”لاين”.رجلك ورا اللاين يا كابتن،ينشِّن اللاعب على الحفرة، إذا طاشت النؤنؤة تكون من نصيب الحفرة، يتراكم النؤنؤ الخائب واحدة بعد الأخرى؛ ليصادف صاحب النصيب  صاحب أول نشان ماهر.

في مداخل البيوت (على سبيل  التغيير)، وفي غرف الأطفال (من باب التحريم)، تحريم  مخالطة ” زيكا “ وأمثاله ، كانت اللعبة تأخذ شكلا ثالثا: طبق صغير غويط بديلا من الحفرة: يمسك اللاعب بزوج النؤنؤ، ويرمي بهما عن بُعدٍ قريب في الطبق، المكسب يعني أن إحدي النؤنؤتين تنزل في الطبق والأخرى خارجه، وإلا فالطبق أولى بالنؤنؤتين. المتسابق قبل أن يبدأ ضربته  يمسك بزوج النؤنؤ يقرِّبُه من فمه ويبوسه؛ ليُذهِبَ النحس، ليترجَّى النؤنؤة ، ويذكِّرها بخطورة الموقف. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

right side

دوا نُقَط

  دَوا نُقَط - 1-   ما اسم   ذلك الدواء ؟    علبة صغيرة، داخلها زجاجة أصغر، الزجاجة بها قطَّارة، القطارة تنزل منها النقاط بمقدار. الدو...