الأربعاء، 26 ديسمبر 2018

كتاب النوم - هيثم الورداني






عن كتاب النوم لـ هيثم الورداني









إحساسي بالظبط بعد ما خلصت قراية ، إني كنت في رحلة طويلة محظور خلالها النوم نهائيا فضلا عن الشرود ، إلا إن النوم مش بالخُطر وبناء عليه نمت او شردت وكان عليَّ إني أرجع وأقرا تاني اللي فاتني ، خلال الشرود ما كنتش بعيد عن الكتاب لأني شردت بفضله ، شردت فيه وفي حالي وفي حال العباد ، في هاني ونادين و.. ، مبسوط خلال الرحلة لكني تعبان ، يمكن تعبان لأن بناء الجمل كان متيقظ بطريقة مرعبة ، خلينى أقول التيقظ ، بدل الدقة ، أو الدقة المتيقظة ، أنا حاسس إن هيثم كتب النص وهو بيتتأرجح بين مفهوم ” سابع يقظة” ومفهوم ” سابع نومة ” ، بحسب تعبير  الكتاب ، واقدر أقول إن مفهوم التعب ده رايح جاي ، أقصد إن هو ما يخصش القارئ بس ، لأ أنا شايف تعب الكاتب كمان.

التعب هنا فيما يبدو معناه إن الجملة أو المفهوم أو التوصيفات الكتيرة مش هتسبيك تمشي لحال سبيلك بعد ما تقراها ، إنت مضطر ترجع مرات لجمل أو مقاطع قريهتا قبلًا ؛ عشان تبقى قادر تتخيل النقط المترامية المحكومة بمحوري النوم واليقظة .

الكتابة بتحاول تقرب من المفاهيم دي بالدخول عليها من أكتر من اتجاه ، من اتجاه تأمل النوم واليقظة في فكرة الثورة ، أو من اتجاه الأب والاصدقاء المتيقظين حاليا بعد اختفائهم المفاجئ ( الناس نيام فإذا ماتوا ... ) ، أو من اتجاه ضبط المفاهيم دي في فضائها المجرد .

عاجبني التنويع بين ملاحقة الفكرة في عالمها التجريدي ، وبين مقاربتها على نحو ملموس بأحداث( حتى لو كانت أحلاما ) أو شخصيات بعينها ( الأب /هاني / نادين / أسامة/ وائل ) ، المسألة دي ( التنويع ) اللي هي محور البناء بتخفف من التجريد أو لنقل بتعيد الاعتبار ليه وبتخليني أقراه تاني باستمتاع وتفهم أكتر ، بتعمل فسحة محببة و غير مقطوعة الصلة ، وبالنسبة لترتيب المجرد ثم الملموس( اللي هو مش ملموس قوي ) ، في الأول قلت طب هو ليه ما بدأش بمقطع سردي ، ولكن في الآخر استريحت للترتيب ده رغم إن المذكور ثانيا هو مصدر وملهم المذكور أولا . عايز أقول كمان إني كنت باستنى المقاطع دي : الأب والأم وهاني ونادين.

ورا الدقة في النص فيه طاقة شجن بتحاول تسحب المجرد لأرض الملموس – سواء شخصي وعام ، أو بتأشَّر على أنه مش مجرد “مجرد” لوجه الله ، ورغم الشجن فمن رحلوا حاضرون في النص بلا أسى، الموت بقى سهل بعد الثورة إلى درجة أنه طال ناس في بيوتهم بعد أن انفضت المظاهرات، رغم أنهم كانوا في المظاهرات نفسها.

النص بيتكلم عن أحياء ليس بالمعنى المجازي المطروق بتاع جملة فلان لسه عايش،لأ، النص شايفهم موجودين كلحم ودم ، أو زي ما قال الكاتب (ذراع نادين لم يكن قبض الريح)، اللغة في العمل إنجاز حقيقي ،  لغة تقدر تقول “سرها هادي” رغم إنها لا تسير إلا في مناطق شديدة التوتر، طيب سرها هادي إزاي؟ يمكن لأنها شايفة كويس ، يمكن لأن هدفها الكشف مش التعبير بالذات  طبقة الصوت اللي وصل لها الكاتب تفعل ما تفعل بكل هدوء ويسر، غير مشغولة بذاتها، هدفها تحديدا الملاحقة، التفاهم مع مفهومات قيد التعريف

طيب، هل هو كتاب عن النوم ؟عن الموت ؟ربما يكون كتابا عن الثورة، ربما يكون كتابا كتب بعد ثورة، بعد ربيع! بعدما انحسر جبرا واختيارا زمن الشهادات العامة (إلى حين ) ، التي تروي ما رأت وما فاجأها من مشاعر ، ومن ملموسات لم تكن قبلا ملموسة، ما كان مراوحا بين النوم واليقظة ، هذا المراوحة أنتجت كلاما كثيرا كثيرا ، كلاما يعلمك بكل تواضع فضيلة الصمت، سواء ممن يرى النوم طويلا ونهائيا،أو ممن قرر أنها نومة قصيرة إن شاء الله واليقظة آتيه لا ريب فيها!!

إلا أن كتاب النوم اختار طريقا ثالثا ، أن يفتح كلاما ، أن يتجول بين النوم واليقظة بلا مقصد سوى الفهم أو فتح المجال لكلام غير الكلام ، اختار راويا محددا ليحكى ، اختار فردا بعد جمع ، حدث في الماضي القريب جدا أن تحول أفراد كثيرون (لوقت معلوم وبفرح بالغ وحقيقي )إلى جماعة كبيرة ، ثم جرى ما جرى ، عادوا أفرادا ، السير في الشوراع لمسافات طويلة والمبيت (نوما ويقظة)في الميادين ليس لعبة.
    عندما يتفرق الجمع يصير لكل واحد حكايته الشخصية عن الثورة  (كلمة ثورة في هذا السياق والظرف تحتاج إلى جهود جبارة ومخلصة ؛ كي نستبدل بها كلمة أوقع ) ، يصير لكل واحد حكايته الشخصية ، وإن شئت التأويلية ، وإن شئت التأملية التي تبتعد بالمشوار عن (الثورة) ، لتراها وترى نفسها، أو بالأحرى لترى ما تود أن ترى من زمن . إن لم يكن بوسع الكرب العظيم ، أو الفرج المأزوم، سمه ما شئت، أن يساعد في إدارك ما هو أبعد منه، فمن يساعد؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

right side

دوا نُقَط

  دَوا نُقَط - 1-   ما اسم   ذلك الدواء ؟    علبة صغيرة، داخلها زجاجة أصغر، الزجاجة بها قطَّارة، القطارة تنزل منها النقاط بمقدار. الدو...