الأحد، 12 أبريل 2020

لقطة المترو


لقطة المترو



    أقف وسط الزحام، ووجهي – كالعادة - في اتجاه سير المترو.

   الصوت مؤثر فعلا، ومستقل، يعمل بكفاءة على نطاق واسع، يظل مسموعا، وإنْ هبط إلى قاع بعد قمة. 

     تجلس عكس الاتجاه، لكنها بدتْ قبل أنت تبدو، بفضل قوة الإشارة وجودتها، وبفضل أشياء اخرى. الصوت يقول: جميلة، موهوبة، لطيفة، ودودة إلى الدرجة المطلوبة، ليس هذا هو الظهور الأول لها، والشاهد على ذلك مايحدث حالا، هي تعرف ما تود قوله .حاضرة الذهن، وربما تحضرُها أذهانٌ أخرى، لا تبحث عن الكلام، كأنها قالته من قبل عشرات المرات. يمكن أن نضيف إلى الجملة السابقة: " ومع ذلك كأنها تصنعه الآن – على إيدك ". 

   شدَّني - أن أرى قبل أن أرى – الصوت ، صوتها  لا يدع الجملة في الوِسْع، إلا بعد أن يلون بعض كلماتها أو يظللها أو يضع خطوطا تحت المستهدف أكثر، وفي أحيان قليلة قد يُخرج سهما من الكلمة ؛ ليشرحها في هامش صغير، سكتاتها تطول وتقصر ؛ لتعطي المجال للتفاعل أوالاستحسان، أو لسحب الجملة القادمة برفق .  أعتقد أنها كانت مهتمة جدا أن يتم التسليم والتسلُّم بصورة محددة، تعرفها، وتنتظر حدوثها ؛ لتكمل. تفعل ذلك كله بـ الطريقة.

    عندما التفتُّ؛ لأدخل عصر الصورة، لم تكن هناك مفاجآت، كانت كما الصوت: جميلة موهوبة ودودة سريعة البديهة، وبسيطة وعفوية. ثمة خفة أو تفاهة ؟ تفاهتها – إنْ كانت - في صميم الشخصية .
 
   هذه التفاهة – فرضًا يعني - إنْ عُزلتْ لصارت الأمور في غاية  الخطورة: ستأخذ في سكتها ما لا يُقدَّر: حضورها اللافت المتعوب فيه، قدرتها على البث عكس الاتجاه، اختلاف الوتيرة، التنوع المذهل في عناصر الجملة، التنقل بيسر بين عدد من الموضوعات في فترة زمنية جد محدودة، لا تزيد بأية حال عن أربع  محطات مترو.  

    تطعّم الجمل بقفشات من وحي اللحظة، وبنفس خيط الغزْل ، تعقبها ابتسامة محدودة منها، وابتسامة أكبر من صديقتها، قد تضحك الصديقة أو تكركر، لكنها تعود سريعا. أنا أقدِّر اللعبة الحلوة، ولا أستطيع إلا أن  أتفاعل، بالطبع قد أحاول التماسك أحيانا، من باب الغلاسة أو من باب احترام خصوصية من يشاركونني بالصدفة وسيلة مواصلات عامة .

    المهم، قهقهتُ وعلا صوتي وصوت آخرين، لكن العرض لم يتوقف للحظة، هي تكتفي بابتسامة قصيرة كأنها ترشد إلى نوع الاستجابات المطلوبة ، لا أكثر، وأنا وصديقتها وآخرون - كما ترون . استغربت هذا البرود منها، لكن الصراحة بعد تفكير ليس طويلا، تيقنتُ  : كل ما في الأمر أنها  كانت مشغولة بـ التالي، هي تقدم فقرة طويلة، ولن تنجرف في تيار إعجاب مازال في مهده، فضلا عن كونها تبث على الهواء .

    لما التفتُّ؛ فصرت في نفس الاتجاه كانت  تحادث صديقتها المواجهة لها في المترو، نعم هي أصغر قليلا من صوتها، لكن لا نستطيع أن نتحدث بالمرة عن " عدم مناسبة " . المترو شديد الازدحام، إلا أنها لم تتأثر، ليس لأهمية ما تقول أوإلحاحه، في الغالب  هي  اعتادت أنْ  تنجز  في أصعب الظروف. 

   إضافة إلى ما سبق، ما كان مؤثرا في المشهد هو المشاركة المميَّزة لصديقتها، كانت دائمة التفاعل المحسوب والعفوي، والابتسام والضحك بدرجاته ، ومع ذلك لم تكن ، في أي لحظة، مأخوذة تماما . مداخلاتها محدودة ، لكن في القلب . تقدر مسألة الوقت – المترو لن يظل سائرا إلى الأبد؛  لذا لم أسمع كلمة واحدة ، سواء عندما كانت عكس الاتجاه أو فيما  بعد، ما من شأنه تشيتت الأهداف المرجوة . أنت أمام خطاب متسق ، حقيقي ومؤثر، يتم بين صديقتين - طرفين أحدهما أساسي والثاني جمهور.

     تشعر كأن الحلقة قد تم تجهيزها من قبل، لصناعة صورة ؟ بحثا عن جمهور أوسع ؟ أي صورة وأي جمهور ؟!  عندما تأتي المحطة المطلوبة ستنزلان فجأة تاركتين خلفهما إعجابا يتناقص تدريجيا، مع كل محطة. أعتقد أن الإعداد قد تم فعلا، بهدف  أن يصير العفوي عفويا، فكما هو معروف، الحقيقي لن يسعفه فقط كونه حقيقيا . 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

right side

دوا نُقَط

  دَوا نُقَط - 1-   ما اسم   ذلك الدواء ؟    علبة صغيرة، داخلها زجاجة أصغر، الزجاجة بها قطَّارة، القطارة تنزل منها النقاط بمقدار. الدو...